آنا كاريننا

Anna Karenina

2/12/1985

أعزائي المشاهدين مساء الخير…

أحييكم أطيب تحية وأرحب بكم مع حلقة جديدة من برنامج “نادي السينما.”

فيلم الليلة هو أحدث نسخة سينمائية من رواية الكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي (1828 – 1910) الذي بدأ حياته وظل لفترة طويلة كاتبًا مسرحيًا تميزت مسرحياته وأعماله الروائية بعد ذلك بأسلوب طبيعي قوي وتيمات (أو موضوعات) أخلاقية عالية القيمة.

نذكر من أعماله ” سلطان الظلام ” (1886) والتي مُنعت من العرض لعشرة أعوام في روسيا إلّا أنها مُثلّت بعد عامين في باريس، ثم “ثمار التنوير” (1889) ومسرحيات أخرى ارتبط فيها اسمه باسم أحد أكبر مخرجي ومنظّري المسرح العالمي الروسي كونستانتين ستانسلافسكي. ولقد قُدمت كثير من أعماله في أعمال درامية ناجحة في معظم بلدان العالم بما في ذلك رواياته “البعث” و “الحرب والسلام” و “آنا كارنينا” التي بدأها في ربيع عام 1873 وأتمها في أكتوبر من عام 1877.

فيلم الليلة إنتاج بريطاني مجري مشترك وهو الفيلم الخامس عشر في سلسلة الأفلام المأخوذة عن الرواية ومدته حوالي 130 دقيقة، وهو بالفعل أحدث نسخة من الرواية إذ لم يمض على إنتاجه أكثر من بضعة أشهر. وفي تقديري فهو واحد من أعظم ما أنتجت السينما حتى الآن عن هذه الرواية الخالدة التي تغطي فترة زمنية تبدأ من عام 1875 وتستمر لنحو عامين في حياة أبطالها المحكومين بقدر مأساوي.

وعلى ذكر نسخة الليلة السينمائية من الرواية يمكن للمرء أن يتذكر أن أول نسخة سينمائية ظهرت في ألمانيا منذ أكثر من سبعين عامًا – أي في عام 1910 في نفس عام وفاة مؤلفها تولستوي، ثم ظهرت الرواية في فيلم روسي صامت أخرجه فلاديمير جاردن في عام 1914.

ثم سرعان ما تحولت الرواية إلى مادة تمثيلية تستنفر قدرات الكثيرات من الممثلات الموهوبات عبر العالم اللواتي قدمنها في مئات الأفلام التي حملت الاسم صريحًا “آنا كارنينا” أو غير ذلك…في أميركا في عام 1915، وإيطاليا في عام 1917، وألمانيا في عام 1919، والمجر في عام 1920، وأميركا مرة ثانية في عام 1927.

من أشهر النسخ السينمائية النسخة الأميركية التي أنتجت عام 1935 ومثلتها جريتا جاربو أمام فريدريك مارش، وكذلك النسخة البريطانية ومثلتها فيفيان لي أمام رالف ريتشاردسون عام 1947. وفي عام 1952 أنتجت الهند نسخة تاسعة، ثم لحقتها نسخة سوفيتية في عام 1952، ثم أرجنتينية في عام 1956. في عام 1961 أنتجت النسخة المصرية من تمثيل عمر الشريف وفاتن حمامة في فيلم بعنوان؛ “نهر الحب”. ثم قام الاتحاد السوفييتي مرة أخرى في عام 1967 بإنتاج نسخة ثانية من إخراج الكساندر زارخي، ثم نسخة ثالثة خاصة للباليه، وهي ليس آخر النسخ بالتأكيد.

هذه رواية ثرية تستمد غناها من ثراء العواطف الإنسانية ذاتها، ومن ثم تكتسب صفتي الخلود والعالمية. “الخلود” بمعنى أن انفعالات الإنسان وعواطفه تظل كما هي لا تتغير بتغير العصر، و”العالمية” بمعنى صلاحيتها لكل مكان ومجتمع تقريبًا. وعلى حد قول ممثلة دور آنا كارنينا الليلة – جاكلين بيسيه فإن “القصة لها علاقة بعصرنا برغم اختلاف الزمان والمكان والمجتمع الذي تصوره. فالعاطفة هي العاطفة، والمشكلات هي المشكلات، والمرأة هي المرأة بمقدورها أن ترغب دائمًا في حياة أكثر حيوية، وهي يمكن أن تقع أسيرة التمزق بين الحب والولاء في أي عصر. إنها قصة رائعة فيها بعض احساس بالتأريخ الاجتماعي.”

وهي كذلك بالفعل كرواية ونسخة سينمائية أيضًا.

أعزائي المشاهدين وقتًا مفيدًا وممتعًا أرجوه لكم مع أحدث نسخة سينمائية من “آنا كارنينا.”

شكرا لكم وإلى لقاء بعد الفيلم إن شاء الله.

عرض الفيلم

مرحبا بكم مرة أخرى أعزائي المشاهدين…وأرجو أن يكون الفيلم قد أثار اهتمامكم بزخمه العاطفي وقوة أدائه بمعايير الصناعة السينمائية.

فيلم الليلة فيلم عن محنة امرأة تصلح معها تعبيرات من نوع؛ “امرأة روّعها الحب” أو “هذه امرأة دفعتها شهوة مفاجئة للحياة فانطلقت كجواد هائم في السهوب والبراري.”

هناك اختلافات بسيطة – توّلدت عن الاختصار – بين النص الروائي والنص السينمائي، غير أنه تمت المحافظة على جوهر الشخصيات الثلاث الرئيسية كما هو في الرواية.

فآنا هنا امرأة يمكن أن تتعاطف مع محنتها رغم أنها تنكب رجلين بالألم والمعاناة. ففي عالم الارستقراطية في روسيا القيصرية حيث يتنقل “الأغنياء الكسولون” بين قصص الحب وملاعب السباق وأحاديث الزواج والعشق، فإن جريمة آنا في “اكتشاف الحب” قد لقيت عقابها المحتوم: الحرمان الاجتماعي. وأنت في الوقت ذاته تعجب لتساؤلات هؤلاء الارستقراط حول الشرف، بينما يعلقون خطاياهم على مشجب آنا التي تحوّل خيارها الأخلاقي إلى ممارسة يومية للعذاب. فمستحيل الاختيار تقريبًا بين حب جارف وبين ما عداه.

ولكم الحكم الأخلاقي سرعان ما يصدر في النهاية بإعدامها وتدفع آنا الثمن. من لم يتعاطف معها؟

الكونت فرونسكي رُسمت شخصيته بقدر كبير من التحفظ لكي يكسب أيضًا تعاطف المشاهدين كمحب جاد في عشقه لآنا. حتى الزوج كارنين لا يمكن إلّا أن نتعاطف معه. تحدث عنه ممثل الشخصية البريطاني الممتاز بول سكوفيلد قائلًا: “إنها ليست شخصية بطولية، ولكنها مثيرة للتعاطف. ولو عاد المرء بنفسه إلى تلك العصور وقوانينها الاجتماعية الصارمة فبوسعه أن يرى أن محنته ذات منحنى مأساوي كمحنة آنا ذاتها. ربما كان بوسع كارنين أن يكون أكثر لطفًا، ولكن الرجال في مركزه آنذاك لم يكن بمقدورهم أن يكونوا كذلك حتى لو شاءوا.”

وسكوفيلد سبق أن شاهدناه في برنامج “نادي السينما” في رائعتين من تمثيله: “رجل لكل العصور” و”الملك لير”. وهو ممثل محترف استطاع أن يعبر ببراعة عن شخصية كارنين البارد الطموح قليل الانفعال حتى في أقصى لحظات المواجهة كتلك التي نشاهدها الآن بينه وبين فرونسكي…

عرض مقطع من الفيلم من مشهد المواجهة

إن هذا المقطع لا يكفي أن يكون مثالًا لتمثيله الممتاز فقط، بل يصلح أيضًا كنموذج جيد لإظهار التفاعل الدرامي بين نظام الإضاءة والديكورات والملابس والألوان. ففي هذه الغرفة المكسوّة بالخشب الفاخر في قصر دوق سابق في المجر (حيث صور الفيلم) يجلس سكوفيلد وسط قطع من الأثاث المنحوت بينما تطل عليه تصاوير زيتية أصلية. في وسط هذا الجو تكتسب كل مكونات المشهد اللون البني الداكن حتى الملابس، وهكذا يسهل إبراز الوجوه بانفعالاتها بقليل من الإضاءة. ويلقي هذا التركيب بعبء خاص على الممثل ليراقب كل عضلة من عضلات وجهه لأن هذا هو كل ما نراه تقريبًا.

وفي تفسير سكوفيلد فإن “مشاعر الناس تتميز، على الأغلب، بقوة بالغة ومن ثم فهم يصبحون في نهاية المطاف أدوات تدمير لذواتهم.” وهكذا وجدت آنا ذاتها!

ويتشابه موقع التصوير – الذي يبعد عن بودابست بأميال وسط المنطقة المشبعة برائحة الكبريت – مع المواقع التي دارت فيها القصة في روسيا ليعطي مزيدًا من الواقعية على سير الأحداث. وفي رأي سكوفيلد فإن “التصوير في ذلك الموقع أعطى نكهة خاصة لأداء الممثلين الذين يعودون إلى روسيا القرن التاسع عشر.”

وكما تشابه موقع التصوير مع موقع أحداث الرواية فإن تكوين الممثلة جاكلين بيسيه الجسماني يتشابه مع تكوين آنا كما رسمها تولستوي. وقد لاحظت الممثلة “أن تولستوي واضح تمامًا في رسم تفاصيل تكوين آنا الجسدي، بل ووصف الطريقة التي تمشي بها حتى حركات يديها. لقد استخدمت أوصافه كدليل عام في تجسيدي للشخصية على الشاشة.”

…………..

إلى أن نلتقي على خير مساء الاثنين المقبل إن شاء الله، أرجو لكم جميعًا أوقاتًا طيبة ومفيدة وممتعة.

شكرًا لكم وإلى اللقاء وتصبحوا على خير.

Comments are closed.