خلاص شوشانك (1994) الجزء الأول

The Shawshank Redemption

حلقة 12/10/2001
الجزء الأول

أعزائي المشاهدين مساء الخير…

لا أذكر أنني شعرت بالظلم أبدًا وأنا أتابع جوائز الأوسكار مثلما شعرت وأنا أشاهد حفل توزيع تلك الجوائز الرائعة القيمة لعام 1994.

رشح فيلم “خلاص شوشانك” Shawshank Redemption للمخرج فرانك دارابونت لسبع جوائز أوسكار أحسن فيلم وسيناريو وتمثيل لمورجان فريمانوموسيقي وصوت وتصوير ومونتاج!

ومع ذلك لم يفز حتى بواحدة!

صحيح أن الترشيح هو تكريم في حد ذاته وأعتراف بالتميز لكن؟ولا جائزة؟!غير معقول. لكنه التصويت الذي استبعد الفيلم من قائمة الفائزين في النهاية.

فيلم الليلة “خلاص شوشانك” للمخرج الموهوب والجديد نسبيًا فرانك دارابونت مبني على رواية قصيرة لمؤلف قصص الرعب الشهير ستيفن كنج نشرها في عام 1982 بعنوان ” ريتا هيوارث وخلاص شوشانك”،فيلم رصين وبالغ القوة عن الرغبة الكاملة في اختيار الحياة بديلًا عن الاستسلام للموت البطىء.

وهو على نحو فريد يذكرني بواحد من أفلام هوليود الممتازة في الستينيات “رجل الطيور في الكاتراز” Birdman of Alkatraz السجين روبرت ستراود الذي اختار أن يحلم بالحرية، وهو محكوم بالمؤبد على جناحى طائر يربيه ثم يطلقه إلي فضاء الحرية عبر نافذة السجن.

وكما بني رجل الطيور على دراسة ممتازة للشخصية، فإن “خلاص شوشانك” يقدم أيضًا دراسة أخري أكثر إمتيازًا وأداءً في كل فروع الفيلم يبلغ حد السهل الممتنع ككل الفن الجميل، ثم يضيف شخصية أخري هي سجن شوشانك بتكوينه المعماري الذي يجمع بين العمارة الفيكتورية والقوطية الكابية في آن.

وقد تم التصوير في سجن مانسفيلد الذي كان مقررًا هدمه وهو ما منح المخرج قدرًا نادرًا من الحرية والواقعية معا.

Shawshank Redemption Video # 1

العبارة على ملصق الفيلم تقول:

“الخوف يمكن أن يبقيك سجينًا ولكن الأمل يمكنه أن يطلق سراحك.”

هذا فيلم عن قوة الأمل المحررة للذات الدافعة الى الخلاص وهو ما يتلاقى على نحو ما مع موضوعات فلسفية كالأمل في الحرية والبعث الروحى.

وهى قيمة نراها في أفلام ممتازة تناولتها مثل “الفراشة”Papillon جسّد فيه ستيف ماكوين طريقه للخلاص من سجنه بكل الأشكال وفي مقدمتها الأمل الذي لا تنطفىء جذوته للوصول الى شاطىء الحرية حتى بتجربة الموت في فيلم فرانكلين شافنر الممتاز في عام 1973.

Papillon Video # 2

في حوار مع ريد Red الذي يقوم بدوره الممثل الممتاز مورجان فريمان يقول آندي (تيم روبنز): “أعتقد أن المسألة كلها تتخلص في إختيار بسيط حقيقة… إشغل نفسك بالحياة أو أشغل نفسك بالموت.”

بناء فيلم الليلة لا يقوم كما هو متوقع على حكاية بطله آندي ولكنه فيلم عن علاقتنا معه…إشفاقنا عليه وإعجابنا به.

وتستمد أهمية البناء الدرامي وتفرده في فيلم الليلة من كونه فيلمًا تأمليًا هادئًا يبطىء في غير تطويل لكى يتفحص ويعلّق من خلال صوت الراوي الهادىء والمسيطر فريمان.

وأهميته كسيناريو تكمن في أنه يروي أحداث الفيلم؛ الأحداث فقط وليس التعليق الفلسفي عليها كما تفعل أفلام كثيرة من خلال عيني الصديق Red لا من خلال عيني البطل آندي Andy .

عنصر آخر ذات أهمية.

نظل طوال الفيلم نتساءل عن الشىء الغامض الذي يتحرك حول شخصية هذا الرجل؟هل قتل زوجته ومن خانته معه حقًا؟لماذا يبدو شخصا كتومًا الى هذا الحد؟بل لماذا يتجول في ساحة السجن كمن يتربص في ساعة هدوء في الوقت الذي يجرجر فيه الآخرون أقدامهم المثقلة باليأس والبؤس.

هذا الغموض هو مايجعل من متابعة تطورات الشخصية أمرًا مثيرًا. تمامًا كما فعل فرانك دارابونت في فيلمه الرائع التالي “الميل الأخضر” Green Mile (1999) مع واحدة من شخصياته المحكوم عليها بالإعدام إذا يروي الفيلم من خلال عيني السجان توم هانكس.

Green Mile Video # 3

رغم أن الأفلام المبنية على دراما السجن كثيرة إلّا أن “خلاص شوشانك” يتميز بأصالة نابعة من روعة التنفيذ وبخلوه تمامًا من الإدعاء بما ليس فيه أو تنميط الشخصيات بين الشرير والطيب، بالاضافة الى ذلك التصوير الرائع وهو في الواقع رسم بالنور لمشاهد السجن التى تستغرق الفيلم بكاملة تقريبًا.

وهو الفيلم الذي يذكرنا بجمال ووضوح بحقيقة أننا جميعًا نمسك بمفاتيح سجوننا الذاتية بأيدينا.

وإذا كنا بريئين فبأيدينا نحن الاختيار بين الأمل وهزيمة الروح…فأيهما نختار.

وقتًا مفيدًا ارجوه لكم أعزائي المشاهدين ونحن نتابع رحلة آندي ورد ولنا لقاء بعد الفيلم إن شاء الله…شكرا لكم.

عرض الفيلم

أهلًا ومرحبًا بكم مرة أخري مشاهدينا الكرام…

ظل آندي يخطط بالصبر لتسعة عشر عامًا لعبوره الى شاطىء الحرية.

كان يعتقد أنه برىء وكان خلاصه من شوشانك هو التمسك بحتمية انتصار روحه الانسانية في النهاية.

خلاص شوشانك يقفز بأفلام دراما السجن بعمق وباقتدار فني الى آفاق ابداعية جديدة صعب أن يقل عن البلوغ اليها فيلم بعده.

ويكفي أن نتأمل أسلوب السرد في الفيلم القائم على الصبر كصبر آندي والذي يعطى عناية عظيمة لتفاصيل حكاية الصبر والصداقة والأمل هذه فيلم هو حلم ممثل يأتي خاليًا من مشاهد العنف المجانية أو الحوار الزائد عن الحاجة.

وقد صفقت بعد انتهاء العرض لأن هناك جوعًا حقيقيًا للاستمتاع بأفلام ذات رسالة مفعمة بالأمل.

فيلم يطلب من مشاهديه أن يشعروا وأن يفكروا فيما يشاهدونه .

في الختام اليكم هذه الحكاية التسويقية الغريبة.

فيديو حركة بطيئة Shawshank R.

عنوان الفيلم “خلاص شوشانك” كان عقبة في تسويق الفيلم لأنه أولًا عنوان غير جذّاب تجاريًا. ثانيًا هو فيلم عن موضوع مقبض؛ دراما سجن. ثالثًا دراما خالية من الحركة Ation. رابعًا ممثلون معرفون ومحترفون ولكنهم ليسوا نجومًا تبيع. خامسًا فيلم طويل مدته حوالي 142 دقيقة.

وبالتالي كان الفيلم يحتاج الى آراء إيجابية تتناولها “الأفواه” لكى يبقي فترة أطول في دور العرض وينتشر.

ولهذا فعندما عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان في مايو وتورنتو في سبتمبر 1994 كانت ردود فعل النقاد رائعة ولكن إقبال الجمهور كان ضعيفًا.

وخلال فترة وجيزة لم يحقق الفيلم من ايرادات إجمالية سوى 18 مليون دولار لا تغطى حتى نفقات الإنتاج بالرغم من ترشيحات الأوسكار التى أدخلت عشرة ملايين إضافية.

ولكن هذه واحدة من أعجب قصص تأجير وبيع الفيديو.

إذ ما أن رُفع الفيلم من التوزيع في دور العرض حتى بدأ الجمهور يبحث عنه في منافذ الفيديو وال DVD وفي عروض التلفزيون وعلى الإنترنت. وفي خلال 5 سنوات مابين 94 و99 تحول الفيلم الى ظاهرة!

ففي أبريل 1999 نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مقالًا لم تستطع فيه تفسير سر ظاهرة البيع غير المسبوقة إلّا أنها أشارت الى أن الفيلم احتل موقع الصدارة في قائمة أهم الأفلام على شبكة الإنترنت ومن بين أهم 250 فيلمًا ناجحًا فنيًا وتسويقيًا حل شوشانك واحدًا من بين الخمسة الأوائل.

لماذا أحب الجمهور العالمي الفيلم؟

أعتقد أنها التجربة الروحية المفعمة بالأمل التى يقدمها الفيلم دون إستغلال سهل لمعاناة أبطاله بل يبقينا منهم على مسافة تسمح لنا بتأمل عميق لأحوالهم.

ويقف فريمان الذي يلعب دور ريد Red في مواجهتنا بين عالمين؛ السجن وآندي. إن تطوره بين السنوات في جلسات العفو يمثل القوس الروحى للفيلم من اليأس إلى الخلاص.

شاهدت الفيلم عدة مرات وكما هى الحال عندما نشاهد فيلمًا جيدًا للمرة الثانية فإننا نزداد إحساسًا به ومحبة له لأن الأفلام الجيدة يزيد حبها مع زيادة درجة الانتلاف معها كلما شاهدناها.

والفن الجميل دائما هو عن شىء أعمق مما يظهر على السطح.

Empire of the Sun Video # 4

تمامًا كفيلم سبيلبرج “إمبراطورية الشمس” الذي يكشف كالفن الجميل دائمًا عما هو أعمق كلما شاهدناه…هو اختيار الأسبوع المقبل إن شاء الله من “عيون السينما”.

إلى أن نلتقي على خير مساء الجمعة المقبل إن شاء الله أرجو لكم أوقاتا طيبة ومفيدة وممتعة.

شكرًا لكم وتصبحون علي خير.

Comments are closed.